وجاءَ العيدُ يا ولدي/ يا وجعي ..
مساءٌ أنيق , تكبيراتُ المآذنِ ..
جلبة البهجة تشقُّ السكون , ضحكات الأطفال المُترفة/المُمزقة ..
نعم اقتربَ موعدُ العيد ..!
العيد هو الفرح , يجيء مُعلناً البهجة في الأمكنة ..
وكذلك في ذاتِ اللحظة يُعلنُ ضمورَ آلافِ الزوايا ..
مثلهُ كمثلِ الأشياءِ التي تأتي على غير عادتها كثيراً من الأحيان ..!
فرحٌ يمشي الهوينى فوقَ البقاع ولا يُثمر , فقط يسقي جذور العجز داخلَ جدرانٍ أربعة فتستطيل بفجور ..
فرحٌ فيه من العبء ما هو أشدُّ مضضاً وأطغى منَ زهوةِ الثيابِ الجديدة ..
..
.
هو العيد , وهذا أبو محمود ..
تتسارعُ في رأسه دورة الأفلاك ..
وأهازيجُ صوتٍ محبوس في العراء ..
وأفكار تُرهقُ الأخماس والأسداس باحتمالاتها ولا مناص ..
في هذهِ الفترة من كلّ عام يعتريهِ هذيانٌ ينهشُ الخلايا وينحرُ الأوردة ..
يداهُ ترتعشان برغمِ أنهار العرق الساخن التي تنزُّ من أعلى جبهتهِ المُستباحة ..
وتتقافزُ في ذهنه عمليات حسابية تفوقُ احتمالات ارتطام نجمٍ سيّار بالمريخ بعد عشرات السنين الضوئية ..
هو لا يُريدُ أن ينقضَ نظرية أنشتاين ولا يقلقه المُفاعل النووي الإيراني ..!
جُلَّ ما برأسهِ (( حياةٌ )) يتناوشُ عظمتها سطوةُ الانكسار , ويأكلها الصدأ ..
فيسترّبُ من شقوقها المهملة أرقُ الموتِ الأخير ..
..
.
يطوي الغرفة جيئةً وذهاباً , يخنقهُ طنينُ صمتهِ الذي يصفعُ الجدران بصداه ..
ويملئ المكان بالأشياء المُرتابة , وأشياءٌ أخرى أشدُّ إرهاقاً تطوفُ في الأجواء الكئيبة ..
قوتٌ لا يموت / إيجار المنزل / فاتورة الكهرباء / الهاتف الذي يستخدمه للضرورة القصوى / ضنك العيش / الأولاد , والعيد والدنيا ..!؟
دُنيا يجري فيها ككلبٍ مسعور لا بل إنّ بعضَ الكلابِ أكرمَ منهُ وأعزُّ نفيرا ..!
يجلسُ مُترنّحاً على كرسيّهِ القلق مثلهُ ..
يضربُ بخفّةٍ مُضطربة على طاولةٍ قديمة خدشها التعب ولا زال ..
يعتصر المستحيل بأناملهُ علّه يساعد على اقتباسِ فكرة أو استجداء حل ..
يفركُ جبينهُ بأصابعهِ المُتشنّجة وتنهيدةٌ من عميق الصدر ترجو نسيان هذا السيل الجارف من الهمِّ برمته ..
لكنّه لا يستطيعُ ..
لا يستطيعُ أنْ ينسى براءةٌ / رجاء / أمل رقراق بعيونُ أطفاله الثلاثة هذا الصباح الدامي ..
لا يستطيعُ تجاهلَ نظراتهم التي يرتجفُ انتظارها وخوفها من أنْ تُخرسَ أمانيها وتُشرّد أحلامها الخيبة ..
تلكَ التي اعتادوا عليها في مثل تلك الأيام ..!
ولا جديد إلّا هي – الخيبة - المعتادة / المُفاجئة , تردُّ البصر خاسئاً وهو حسير ..
وحرمانٌ جديدٌ / قديم يفتكُ بموعد الأراجيح ...
يُحسُّ أنّ الوجود يلفظ روحَه بغيٍّ بالغِ الأسى , ويُحيله إلى شبحٍ سقيم ..!
تجتاحهُ دوامةُ الحيرة العاصفة ..
فتؤتي ثمارها برتابة ويتنامى بصدرهِ حنقٌ يشوبهُ حزنٌ عميق ويطغى رويداً رويداً ..
حنقٌ على وطنٍ أخذ أكثر مما أعطى ويزيد ..
وطنٌ يمتصُّ السنين من عمرهِ ليفسحَ مجالاً واهناً لخطواتهِ الميتة أنْ تحثو فوق ترابه ..
وحزنٌ على أطفالٍ يعتريهم الذبول في لحظاتِ فرح الآخرين ..
لا بل و يُحيلُ أجنحتهم الغضة إلى أعذاقَ نخلٍ خاوية ..
تفشل محاولات أبو محمود - كالعادة - في تبريره لذاته أنّه قام بما يتوجب عليه ..
ويتبدّى له خذلانه الذي خبأه بين ظله والكراسي القديمة ..
فيهيمُ كـ مجذوب / حكيمٍ فقد حلمه / مجنون زاده هاجسهُ جنوناً ..
يركلَ الطاولة أمامه وقد احمرّ وجهه و برزت عروقَ صدغه ورقبته من الغيظ وراح يشتم / يلعن / يصرخ .. محاولاً تحطيم الدنيا حوله ..
ويذوي مُضرّجاً بوجعهِ وهو يستغفرُ ربّه ..
..
.
دخلت أمُ محمود على صوت الارتطام والصراخ ..
وقفت فوقَ بقايا الطاولة المُحطمة , هيَ الأخرى اعتادت على فقدان شيئاً من أثاثِ منزلها في العيد ..
كان أبو محمود جاثياً على ركبتيه ومسيلُ دمعٍ حفر على خديهِ مجرى يسعى لمصيرٍ مجهول ..
انحنتْ تُلملم قطع الخشب الصغيرة المتناثرة والتي سقطت على بعضها قطراتٌ من دموعها ..
لمْ تنبسْ ببنتِ شِفة ..
فهي تعلم بأنّ القهر المزروع منذُ سنين حانَ موسم حصاده دموعاً وانكساراً ..
..
إنهُ موعدُ العيد .. العيد يا ولدي / وجعي ..
مساءٌ أنيق , تكبيراتُ المآذنِ ..
جلبة البهجة تشقُّ السكون , ضحكات الأطفال المُترفة/المُمزقة ..
نعم اقتربَ موعدُ العيد ..!
العيد هو الفرح , يجيء مُعلناً البهجة في الأمكنة ..
وكذلك في ذاتِ اللحظة يُعلنُ ضمورَ آلافِ الزوايا ..
مثلهُ كمثلِ الأشياءِ التي تأتي على غير عادتها كثيراً من الأحيان ..!
فرحٌ يمشي الهوينى فوقَ البقاع ولا يُثمر , فقط يسقي جذور العجز داخلَ جدرانٍ أربعة فتستطيل بفجور ..
فرحٌ فيه من العبء ما هو أشدُّ مضضاً وأطغى منَ زهوةِ الثيابِ الجديدة ..
..
.
هو العيد , وهذا أبو محمود ..
تتسارعُ في رأسه دورة الأفلاك ..
وأهازيجُ صوتٍ محبوس في العراء ..
وأفكار تُرهقُ الأخماس والأسداس باحتمالاتها ولا مناص ..
في هذهِ الفترة من كلّ عام يعتريهِ هذيانٌ ينهشُ الخلايا وينحرُ الأوردة ..
يداهُ ترتعشان برغمِ أنهار العرق الساخن التي تنزُّ من أعلى جبهتهِ المُستباحة ..
وتتقافزُ في ذهنه عمليات حسابية تفوقُ احتمالات ارتطام نجمٍ سيّار بالمريخ بعد عشرات السنين الضوئية ..
هو لا يُريدُ أن ينقضَ نظرية أنشتاين ولا يقلقه المُفاعل النووي الإيراني ..!
جُلَّ ما برأسهِ (( حياةٌ )) يتناوشُ عظمتها سطوةُ الانكسار , ويأكلها الصدأ ..
فيسترّبُ من شقوقها المهملة أرقُ الموتِ الأخير ..
..
.
يطوي الغرفة جيئةً وذهاباً , يخنقهُ طنينُ صمتهِ الذي يصفعُ الجدران بصداه ..
ويملئ المكان بالأشياء المُرتابة , وأشياءٌ أخرى أشدُّ إرهاقاً تطوفُ في الأجواء الكئيبة ..
قوتٌ لا يموت / إيجار المنزل / فاتورة الكهرباء / الهاتف الذي يستخدمه للضرورة القصوى / ضنك العيش / الأولاد , والعيد والدنيا ..!؟
دُنيا يجري فيها ككلبٍ مسعور لا بل إنّ بعضَ الكلابِ أكرمَ منهُ وأعزُّ نفيرا ..!
يجلسُ مُترنّحاً على كرسيّهِ القلق مثلهُ ..
يضربُ بخفّةٍ مُضطربة على طاولةٍ قديمة خدشها التعب ولا زال ..
يعتصر المستحيل بأناملهُ علّه يساعد على اقتباسِ فكرة أو استجداء حل ..
يفركُ جبينهُ بأصابعهِ المُتشنّجة وتنهيدةٌ من عميق الصدر ترجو نسيان هذا السيل الجارف من الهمِّ برمته ..
لكنّه لا يستطيعُ ..
لا يستطيعُ أنْ ينسى براءةٌ / رجاء / أمل رقراق بعيونُ أطفاله الثلاثة هذا الصباح الدامي ..
لا يستطيعُ تجاهلَ نظراتهم التي يرتجفُ انتظارها وخوفها من أنْ تُخرسَ أمانيها وتُشرّد أحلامها الخيبة ..
تلكَ التي اعتادوا عليها في مثل تلك الأيام ..!
ولا جديد إلّا هي – الخيبة - المعتادة / المُفاجئة , تردُّ البصر خاسئاً وهو حسير ..
وحرمانٌ جديدٌ / قديم يفتكُ بموعد الأراجيح ...
يُحسُّ أنّ الوجود يلفظ روحَه بغيٍّ بالغِ الأسى , ويُحيله إلى شبحٍ سقيم ..!
تجتاحهُ دوامةُ الحيرة العاصفة ..
فتؤتي ثمارها برتابة ويتنامى بصدرهِ حنقٌ يشوبهُ حزنٌ عميق ويطغى رويداً رويداً ..
حنقٌ على وطنٍ أخذ أكثر مما أعطى ويزيد ..
وطنٌ يمتصُّ السنين من عمرهِ ليفسحَ مجالاً واهناً لخطواتهِ الميتة أنْ تحثو فوق ترابه ..
وحزنٌ على أطفالٍ يعتريهم الذبول في لحظاتِ فرح الآخرين ..
لا بل و يُحيلُ أجنحتهم الغضة إلى أعذاقَ نخلٍ خاوية ..
تفشل محاولات أبو محمود - كالعادة - في تبريره لذاته أنّه قام بما يتوجب عليه ..
ويتبدّى له خذلانه الذي خبأه بين ظله والكراسي القديمة ..
فيهيمُ كـ مجذوب / حكيمٍ فقد حلمه / مجنون زاده هاجسهُ جنوناً ..
يركلَ الطاولة أمامه وقد احمرّ وجهه و برزت عروقَ صدغه ورقبته من الغيظ وراح يشتم / يلعن / يصرخ .. محاولاً تحطيم الدنيا حوله ..
ويذوي مُضرّجاً بوجعهِ وهو يستغفرُ ربّه ..
..
.
دخلت أمُ محمود على صوت الارتطام والصراخ ..
وقفت فوقَ بقايا الطاولة المُحطمة , هيَ الأخرى اعتادت على فقدان شيئاً من أثاثِ منزلها في العيد ..
كان أبو محمود جاثياً على ركبتيه ومسيلُ دمعٍ حفر على خديهِ مجرى يسعى لمصيرٍ مجهول ..
انحنتْ تُلملم قطع الخشب الصغيرة المتناثرة والتي سقطت على بعضها قطراتٌ من دموعها ..
لمْ تنبسْ ببنتِ شِفة ..
فهي تعلم بأنّ القهر المزروع منذُ سنين حانَ موسم حصاده دموعاً وانكساراً ..
..
إنهُ موعدُ العيد .. العيد يا ولدي / وجعي ..